”الشاي” و”الخبز” سلاح ”أم محمد” لمواجهة الزمن
الأكثر مشاهدة
"كوباية شاي يا أم محمد، صباح الخير يا أم محمد والنبي الشاي بسرعة"، في إحدى الشوارع التي تربط بين فيصل والهرم، نجد المارة رافعين أيديهم والابتسامة عنوان وجوههم ناظرين على أحد الأركان الجانبية من الشارع ويطلقون السلام على سيدة خمسينية تظهر علامات رضا على وجهها، ترحب بنظرتها على الجميع دون أن تتحدث، كلماتها قليلة ولكنها تؤثر نفوس أهل الشارع.
"أنا أطلقت من زمان، وقلت عمري ما هقع، لازم اكمل وأربي عيالي"، كان الطلاق هو بداية طريق التحدي التي قررت أن تسيره "أم محمد- اسم مستعار" بمفردها دون الاعتماد على أحد، لكي تكمل مسيرة القدر التي فرضت عليها وتحملت تربية خمسة أبناء وحفيد، " أنا مبشتغلش عند حد أنا رئيسة جمهورية نفسي"، ولهذا السبب قررت السيدة الخمسينية أن تستمد مصدر رزقها من عمله البسيط بعمل نصبة شاي صغيرة وبجانبها تبيع الخبز.
"دي صورة بنتي وهي عروسة شوفي جميلة أزاي"، تزوجت ابنتها الثانية في الصعيد وقامت بتوفير كافة متطلبات جهازها بمفردها دون اللجوء إلى شخص "أبوهم مبيسألش عليهم خالص وأنا اللي بجيب كل حاجة"، لم يقف دور "أم محمد" عند حد توفير المتطلبات الأساسية لأبناؤها بل يشغل المستقبل بالها دائما فقامت بتزويج ابنتها الكبرى التي وافتها المنية وتركت ابن، ثم زوجت الثانية التي تشبهها كثيرا، ووفرت سكنا لابنها الثالث الذي تزوج أيضا.
"شوفي إلي معدي دا ابني"، شاب يسوق "توك توك" كان الابن الثالث للسيدة التى كتب عليها مسرح الزمن أن تقوم بدور البطولة بمفردها، وصمتت لحظة ثم أخرجت من جيبها صورة لفتاة تحت سن العشرين " ديه بقى بنتي الرابعة في أولى معهد"، لم تهزمها الظروف بل حرصت على تعليم ابناؤها حتى الأخير الذي يدرس في الصف الأول الأعدادي.
"كهلم هنا بيحبوني ومفيش أي حد بيضاقني"، كانت هذه الكلمات إجابة على المضايقات التي تتعرض أليها من سائقي الميكروباص الواقفين أمامها، "بحب الأغاني الشعبي"، راديو صغير هو رفيق عملها الذي يبدأ من الصبح حتى الليل، فتجد في الغناء بألوانه المتعددة وخاصة الشعبي ملاذ الهروب من مشاغل الدنيا وهمومها "أكتر مغني بحبه مصطفى كامل، وبحب أغاني أم كلثوم طبعًا".
تلخصت أحلامها في الرضا وراحة البال، فلم تتنمنى السيدة التي ترتدي جلبابا أسود تمردا على قسوة الحياة، لم يظهر منه سوى وجهًا مبتسما ويد تعمل دون كلل ولا ملل، إلا راحة البال وسكن مستقر ثابت.
الكاتب
سمر حسن
الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا